الساعة المائيّة

   للساعة المائيّة التي أهداها "هارون الرشيد" إلى الملك "شرلمان"، ذكرٌ شائع على ألسنة بعض الناس، ولكنّ المؤلّفين العرب لم يضعوها في كتبهم أيّام استفحال حضاراتهم في بغداد والأندلس. وقد اهتمّ بها مؤرّخو الإفرنج، وجلّ ما قالوا فيها إنّها: "كانت متقنة الصنع في الغابة، تقسم الوقت إلى اثنتي عشرة ساعة ولها كرات صغيرة من الصُّفْر¹ كلّما انتهت ساعة سقط منها بعدد تلك الساعة على صنج² قد وضع تحتها فَيَرِنّ. وذكر بعضهم أنّه كان فيها فرسان بعدد تلك الكرات يخرجون من اثنتي عشرة كوّة. وأنّها لمّا وصلت إلى فرنسا كان لها عندهم موقع إعجاب عظيم.

   أمّا استنباط هذا النوع من الساعات فالظاهر أنّه قديم جدًّا ولعلّها أوّل أصناف الآلات التي اخترعت لقياس الوقت، وأوّل ما عرف منها كان متّخذًا من إناء من الخزف أو الزجاج في أسفله ثقب دقيق يخرج منه الماء قطرة قطرة فيسقط في إناء آخر عليه خطوط تدلّ على ساعة من ساعات النهار أو الليل. ومعلوم أنّ هذه الآلة لا تُقسّم الوقت قسمة مدقّقة لأنّ قطرات الماء تسرع أو تبطىء بحسب ارتفاع الماء في الإناء الأعلى وانحطاطه. فلا يخرج منه في الأوقات المتساوية مقادير متساوية. ومع ذلك فإنّها شائعة الاستعمال عند جميع الأمم المتمدّنة في تلك العصور ولا سيّما في مصر وفينيقيا وبلاد اليونان والكلدان. وكان كهّان المصريّين يستخدمونها في رصد حركات الكواكب، واليونان يستعملونها في المحاكم لتقدير الأوقات التي يتكلّم فيها أصحاب الدعاوي.

                         الضياء السنة الأولى ص. 619